لماذا تحتوي بعض الصخور البركانية على فجوات؟
تعد الصخور البركانية من أقدم أنواع الصخور التي شكلت سطح الأرض، وهي تتشكل نتيجة لتبريد الحمم البركانية التي تندلع من البراكين. واحدة من الخصائص التي قد تميز بعض الصخور البركانية عن غيرها هي وجود الفجوات أو الفراغات داخل تركيبها. تثير هذه الظاهرة العديد من الأسئلة حول آلية تكوّن الصخور البركانية وتطورها، وكيف يمكن أن تؤثر هذه الفجوات في خواص الصخور واستخداماتها المختلفة.
تتنوع الفجوات التي يمكن أن توجد في الصخور البركانية من حيث الحجم والشكل والمحتوى. هناك فجوات صغيرة جداً قد لا تكون مرئية بالعين المجردة، وأخرى أكبر يمكن أن تصل إلى بضعة سنتيمترات. هذه الفجوات ليست مجرد سمات عشوائية، بل هي نتيجة لظروف وظواهر جيولوجية معينة تحدث أثناء تبريد الحمم البركانية واحتباس الغازات فيها. لفهم سبب وجود الفجوات في بعض الصخور البركانية، لا بد من النظر في العمليات التي تحدث أثناء تشكيل هذه الصخور، وما يتعلق منها بمحتويات الغازات ودرجة الحرارة ومدة التبريد.
التكوين والتكوين الأولي للصخور البركانية
تتكون الصخور البركانية عندما تنبثق الحمم البركانية من باطن الأرض عبر البراكين نتيجة لانفجار شديد أو تدفق بطيء للحمم. الحمم التي تخرج من البراكين تحتوي على مزيج من الصخور المذابة والمعادن والغازات المختلفة. عندما تنبعث الحمم إلى سطح الأرض، تبدأ في التبريد والتصلب بشكل تدريجي. خلال هذه العملية، تبدأ المعادن في التحول من الحالة السائلة إلى الحالة الصلبة، وفي الوقت نفسه، يتم احتجاز بعض الغازات داخل الصخور المتصلبة.
تعتمد كمية الفجوات في الصخور البركانية على عوامل مختلفة، مثل حجم الحمم، سرعة التبريد، تركيز الغازات، وكمية الماء الموجودة في الصخور البركانية. تتباين هذه العوامل بين أنواع مختلفة من البراكين، وتؤدي إلى أنماط مختلفة من الصخور البركانية.
الغازات وحبسة الفجوات
أحد الأسباب الرئيسية لوجود الفجوات في الصخور البركانية هو احتباس الغازات التي كانت موجودة في الحمم أثناء تبريدها. عند ثوران البركان، يتم إطلاق كميات كبيرة من الغازات مثل بخار الماء، وثاني أكسيد الكربون، والنيتروجين، وأحيانًا الكبريت. هذه الغازات تذوب في الحمم السائلة بسبب الضغط الهائل في باطن الأرض.
عندما تبدأ الحمم في الخروج إلى سطح الأرض، يقل الضغط بشكل مفاجئ، مما يؤدي إلى انفجار الغازات من داخل الحمم. هذا الانفجار يخلق فقاعات غازية تنتشر داخل الصخور التي تتصلب تدريجيًا. كلما كانت الحمم أكثر غنية بالغازات، كلما كانت الصخور التي تتشكل منها أكثر فجواتًا. هذا هو السبب في أن بعض الصخور البركانية مثل “الخمري” أو “البازلتية” قد تحتوي على الكثير من الفجوات، بينما الصخور الأخرى مثل “الداسيت” أو “الريوليت” قد تحتوي على فجوات أقل.
أنواع الصخور البركانية والفجوات
تختلف الصخور البركانية من حيث تركيبها الكيميائي والفيزيائي، وهذه الاختلافات تلعب دورًا في ظهور الفجوات داخلها. من بين الأنواع الشائعة من الصخور البركانية التي تحتوي على فجوات:
-
الخمري (Pumice):
الخمري هو صخر بركاني ذو لون فاتح وتكوين غني بالسيليكا. يتميز بوجود فجوات كبيرة بسبب احتباس الغازات أثناء تبريده السريع. على الرغم من خفة وزنه، إلا أنه صلب وقوي بشكل كافٍ ليستخدم في العديد من التطبيقات الصناعية مثل الصنفرة وتنقية المياه. -
الطفل (Scoria):
هو صخر بركاني آخر يحتوي على فجوات، لكن هذه الفجوات عادةً ما تكون أكبر وأكثر وضوحًا من تلك الموجودة في الخمري. يتشكل الطفل عندما تحتوي الحمم على كمية كبيرة من الغازات المتطايرة، ويتصلب بشكل أسرع، مما يسمح بوجود فقاعات غازية ضخمة. يمكن أن يُستخدم الطفل في البناء كمادة خفيفة الوزن للمزج مع الخرسانة. -
البازلت (Basalt):
البازلت هو نوع آخر من الصخور البركانية التي قد تحتوي على فجوات. البازلت يتشكل من تبريد الحمم البركانية الغنية بالحديد والمغنيسيوم، وقد يحتوي على فجوات صغيرة إذا كان يحتوي على كمية كبيرة من الغازات. هذا الصخر يتميز بلونه الداكن وصلابته العالية، وهو واحد من أكثر الصخور البركانية شيوعًا على سطح الأرض. -
الريوليت (Rhyolite):
هو نوع من الصخور البركانية الخفيفة التي تحتوي عادةً على نسبة عالية من السيليكا. قد يحتوي الريوليت على فجوات صغيرة، لكن تكون هذه الفجوات أقل وضوحًا مقارنة بالصخور الأخرى مثل الخمري. تحدث الفجوات هنا بسبب غازات تم احتجازها خلال تبريد الحمم البركانية، ولكن عملية التبريد تكون أبطأ مما يسمح للغازات بالتشتت بشكل أفضل.
عملية التبريد والسرعة وتأثيراتها على الفجوات
الوقت الذي يستغرقه الصخر البركاني ليتصلب له تأثير كبير على مدى تكون الفجوات. في حالة الصخور البركانية التي تتصلب بسرعة كبيرة، مثل تلك التي تتدفق بشكل سريع أو تتعرض لتيارات هوائية باردة بعد ثوران البركان، يتم “حبس” الغازات في الحمم أثناء عملية التصلب. ونتيجة لذلك، تبقى الفجوات في الصخر. في المقابل، إذا كانت الحمم تبرد بشكل أبطأ في البيئات الأكثر دفئًا أو في الأعماق الكبيرة، فإن الغازات قد تخرج قبل أن يتصلب الصخر تمامًا، مما يؤدي إلى تكون فجوات أقل أو غيابها تمامًا.
التأثيرات الجيولوجية والبيئية
تتعدد التأثيرات الناتجة عن وجود الفجوات في الصخور البركانية على المستوى الجيولوجي والبيئي. على المستوى الجيولوجي، يساعد وجود الفجوات في فهم طبيعة الحمم البركانية والظروف التي تم فيها تبريد الصخور. كما يساعد الجيولوجيين على دراسة الأنشطة البركانية، مما يوفر معلومات قيمة حول آلية انفجار البراكين وتاريخها.
من الناحية البيئية، يمكن أن تؤدي الفجوات في الصخور البركانية إلى تحسين قدرة الصخور على امتصاص الماء أو الهواء، مما يؤدي إلى تغيرات في البيئة المحيطة بالصخور. بعض الصخور البركانية، مثل الخمري، تستخدم في الزراعة لتحسين التربة بسبب قدرتها على الاحتفاظ بالماء والهواء.
استخدامات الصخور البركانية ذات الفجوات
تعتبر الصخور البركانية ذات الفجوات موادًا مهمة في العديد من التطبيقات الصناعية والبنائية. على سبيل المثال، تُستخدم الصخور مثل الخمري والطفل في صناعة منتجات التنظيف والمبيدات الحشرية. كما تستخدم في صناعة مواد البناء حيث تساعد في تحسين العزل الحراري والصوتي.
خاتمة
إن وجود الفجوات في الصخور البركانية هو نتيجة لعدة عوامل جيولوجية، بما في ذلك احتباس الغازات أثناء تبريد الحمم البركانية. تؤثر هذه الفجوات بشكل كبير على خواص الصخور واستخداماتها المختلفة. من خلال فهم الآليات التي تؤدي إلى تكوين هذه الفجوات، يمكن للعلماء والباحثين تقديم رؤى أعمق حول العمليات البركانية وتأثيرها على البيئة والمجتمعات.
